باتريس ايفرا # الظهير الايسر الطائر

أُحب نفسي وأُقدرها طوال الوقت، قد يعتبر البعض هذا غرورًا، لكنني أرى أنه حتى في أحلك الأوقات لا يجب على المرء أن ينتقد نفسه، أنت تحتاج لكل ذرة تفاؤل وحب لنفسك عندما تكون الحياة سيئة بما يكفي، ليس عليك أن تزيد الأمور سوءًا، هذه هي العقلية التي أمتلكها منذ كنت طفلًا.. بدونها لم أكن سأُمثل منتخب فرنسا، ولم أكن سألعب لمانشستر يونايتد ويوفنتوس، ربما بدونها كنت سأظل جالسًا على أحد أرصفة باريس أتوّسل الناس للحصول على عُملة أو عُملتين من المال. نعم، في طفولتي كنت أتسوّل على أرصفة باريس وأمام متاجرها للحصول على بعض المال أو حتى ليُلقي لي أحدهم باقي طعامه الذي لم يعد بحاجة إليه، لم يكن لدي أي شئ.. لم يكن لعائلتي أي شئ.. لكنني كنت أعيش وكأنني أملك الدنيا، هذه هي العقلية التي أعيش بها منذ كنت طفلًا مُتشردًا، وبسببها أصبحت ما أنا عليه اليوم. لقد نشأت في "لي أوليس" - أحد ضواحي باريس الفقيرة - وكنت أعيش رفقة أبي وأمي وإخوتي، عددنا كان 10 أشخاص في نفس المنزل الصغير الضيق، في البداية كان والدي يوفر لنا احتياجاتنا بسبب عمله، لكن عندما أصبحت في العاشرة من عمري قام بالطلاق من والدتي ورحل عنا، حتى أنه أخذ الأريكة والتلفاز معه. أنا لا أكره والدي، لكن في ذلك الوقت تركنا في موقف غاية الصعوبة والقسوة، كنت أتشارك السرير مع ثلاثة من إخوتي، والأيام التي كان يصبح لدينا طعام في المنزل وتقوم والدتي بوضعه على الطاولة، كان عليك الجري بأقصى سرعتك للتأكد من حصولك على حصتك من هذا الطعام، مع الوقت حصل أشقائي على وظائفهم الخاصة ولم يتبقَ في المنزل سواي أنا وأمي وأختي الصغيرة، أصبحت رجل البيت الآن وعليّ التحرك لفعل شئ. بدأت أخرج للشوارع للحصول على قوت يومي وربما قوت يوم أمي وشقيقتي، كان لفظ عصابات على الأشخاص الذين يملكون بشرة سوداء مُتداول كثيرًا، ولطالما كرهت هذا الوصف.. عندما تنشأ في منطقة فقيرة بها إطلاق للنيران طوال الوقت، وتُصبح مُعرضًا للقتل في أي لحظة، فعليك أن تفعل كل ما بيدك لتنجو، لقد حاربت كثيرًا، كنت أسرق الطعام والملابس، كنت أجلس على الأرصفة وأمام الحانات أتسول من أجل لُقيمات. هذه هي طفولتي وهذه هي لي أوليس - بلدتي - لكن رغم هذا فقد كنت سعيدًا جدًا، كنت أرى والدتي وهي تُعاني الأمريّن لتوفر لنا قليل القليل من الطعام، كنت أرى أنني لا أمتلك أي حق في الشكوى، لذلك كنت إيجابيًا وأنشر الروح الإيجابية لكل من حولي، كما قلت عندما تكون الحياة سيئة بما يكفي ليس عليك أن تزيد الطين بلّة بتذمرك. اليوم الأول لي في المدرسة سألنا المعلم عمّا نريد أن نصبح في المستقبل، تباينت إجابات الأطفال بين طبيب ومهندس ومحامي، أما أنا فقلت أريد أن أصبح لاعب كرة قدم، قال لي المعلم هل تعتقد أنك من بين 300 طالب ستكون أنت الوحيد المختلف وتلعب كرة القدم؟، قلت له نعم، فضحك الجميع عليّ. مع مرور الأعوام كنت أشعر أن هذا المعلم كان على حق، كنت ألعب وأتدرب بشكل جيد ولا أحد يراني، حتى أتممت عامي السابع عشر وكنت ألعب في دورة داخلية مع الأصدقاء، جاءني رجل وسألني عمّا إذا كنت أريد أن أقوم باختبار أداء في تورينو بإيطاليا، ثم أعطاني رقمه.. كل ما كنت أعرفه عن هذا الرجل أنه يمتلك مطعمًا في باريس، لكن هل عليّ أن أثق به؟، حسنًا ليس لدي خيار آخر، فوثقت به. اتصل الرجل بي في اليوم التالي وذهبت معه لتجربة الأداء في تورينو، لكنهم لم يعرضوا عليّ عقدًا، وقبل أن أعود للمنزل خالي الوِفاض جاءني رجل كان متواجدًا هناك وهو مدير في نادي مارسالا المتواجد بالدرجة الثالثة بصقلية، سألني إذا كنت أرغب في الانضمام لفريقه بعقد رسمي، فوافقت على الفور، وعُدت لباريس مؤمنًا أن هذا النادي سيكون بوابتي للجنة. كان عليّ أن ألتقي بزملائي بفريقي الجديد في قرية جبلية شمال إيطاليا، حيث قيل لي بأنهم يتدربون هناك، لكنني لم أكن أتحدث الإيطالية ولم أُسافر يومًا بمفردي، غادرت المنزل مُودعًا أمي وأنا لا أُملك سوى قطعة ورق بالية عليها رقم البيت، أخذت القطار إلى ميلانو حيث سأستقل قطار آخر يوصلني لتلك القرية الجبلية، لكن حين وصلت لمحطة ميلانو لم أجد القطار الخاص بي وأصبحت ضائعُا تمامًا. جاءني شخص غريب أسود البشرة مثلي وله عين واحدة، قال لي تبدو ضائعًا وحزينًا، فحكيت له ما حدث.. قال لي أن القطار الخاص بي غادر منذ ساعة، اتصل بوالدتي وأعلمها أن القطار فاتني، ثم طمئنها وقال لها بأنه سيحرص على أن أستقله يوم غد، ثم أخذني لمنزله أعطاني طعام وقضيت الليلة معه، وفي السادسة صباحًا أيقظني وأوصلني لمحطة القطار، حتى يومنا هذا لا أدرى من كان هذا الرجل، لكنه كان كالملاك الحارس، أنا أدين له بالكثير. وصلت أخيرًا واستقبلني مدير من النادي، أخذني للفندق وأعطاني ملابس رياضية ثم اصطحبني للتدريبات، نظرت لنفسي في المرآة وقلت يا إلهي أنا أسعد إنسان في العالم، اتصلت بأمي وقلت لها لن تصدقي ما يحدث معي، هؤلاء الناس يقدمون لنا ثلاثة أصناف من الطعام على الطاولة وبإمكاننا تناول ما نشاء، لن أنسى أبدًا يومي الأول هناك. قضيت معهم عام واحد ثم انتقلت لنادي مونزا بالدرجة الثانية الإيطالية، فقضيت فيه عامًا آخر، ثم عُدت للوطن عبر بوابة نادي نيس، ثم إلى موناكو الذي بدأ فيه نجمي في السطوع، وأصبح اسمي يتردد على الألسنة والمسامع، وصلت لنهائي دوري أبطال أوروبا في 2004، وبعدها مثلت منتخب فرنسا لأول مرة. وفي شهر يناير من عام 2006 كانت بداية انطلاقتي الحقيقية ليعرفني العالم أجمع، انضممت لمانشستر يونايتد والبقية للتاريخ.. الناس تشاهد مقاطع الفيديو المُضحكة التي أقوم بها على وسائل التواصل الاجتماعي، ويرون تلك الأشياء المجنونة التي أفعلها وجملتي الشهيرة "أنا أحب هذه اللعبة"، في الواقع أنا أقصد بها أنني أحب هذه الحياة، هم يعتقدون أنني أقوم بذلك لأنني غني ومشهور، لكن إذا كنت قد جئت لمنزلنا في "لي أوليس" عندما كنت طفلًا ستجد أنني كنت أقوم بالأمر ذاته، إخوتي يشاهدون تلك المقاطع ويقولون لي: "يا إلهي.. لقد كنت ترقص بنفس الطريقة وأنت في الخامسة من عمرك"...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص حياة و مسيرة لاعبي كرة القدم # الهولندي القناص روبن فان بيرسي # نجم ارسنال السابق

قصة البطل العالمي # محمد صلاح نجم ليفربول الانكليزي

قصص و مسيرة لاعبي كرة القدم #الايفواري ديديه دروغبا # الجزء الثاني و دوره في ايقاف الحرب الاهلية