الظاهرة رونالدو البرازيلي # شيئ من الحظ

عالم كرة القدم هناك نوعان من اللاعبين، النوع الأول هو ذلك اللاعب الذي وُلِد بموهبة فريدة لا يحتاج سوى بعض العمل عليها لتظهر في أكمل وجه، والنوع الآخر هو ذاك الذي يتمتع بقدر أقل من الموهبة لكنه يجتهد بدنيًا ليُعوض هذا النقص، كل نوع منهما لديه طريقة لتعويض ما ينقصه، في حالتي أنا لم تكن هناك أي طريقة.. أنا - رونالدو لويس نازاريو دي ليما - لا أنتمي لأيًا من النوعين السابقين، لقد كنت أتمتع بالموهبة الفذة وكان لدي القدرة على العمل عليها، حتى يقول القائل أنني بلغت الكمال ولا ينقصني شئ، لكن الحقيقة أن ما كان ينقصني هو أهم شئ ليس في عالم الكرة فقط بل في الحياة عمومًا، لقد عانيّت من حالة خاصة لا علاج لها.. ألا وهي انعدام الحظ. كل قصة سقوط تبدأ من لحظة مُعينة يتوقف عندها المؤشر الذي كان في طريقه للأعلى ويبدأ في الانحدار تدريجيًا، هذه اللحظة في حالتي كانت بدايتها من كأس العالم 1998 بفرنسا، تلك البطولة التي كان يُعوّل الشعب البرازيلي علينا لنُحققها، كنا نُخبة من اللاعبين الرائعين، تستطيع أن تقول أننا كنا أكثر جيل في تاريخ السيلساو كان يمتلك هذا الكمال الكروي في كل الجوانب. كنا قد حققنا البطولة التي سبقتها في عام 1994، وفي فرنسا أصبحت الفرص في صالحنا بشكل أكبر، لقد نضجنا وازددنا خبرة، كل لاعب في هذا المنتخب يلعب في أحد كبار أوروبا، لذا فلا مفر من أن نعود للبرازيل بهذه الكأس، وبالفعل قدمنا بطولة رائعة، وعلى المستوى الشخصي قدمت أداءًا جيدًا حتى المباراة النهائية. وصلنا النهائي ضد المنتخب الفرنسي مُستضيف البطولة وكانت الفاجعة، خسرنا بثلاثية مقابل لا شئ، في ليلة كانت من أتعس الليالي التي مررت بها طوال حياتي، حدث ما حدث قبل المباراة واضطررت لأن ألعبها رغم مرضي الشديد، وظهرت في حالة يُرثى لها، لأخذل أولئك الذين كانوا يُعلقون عليّ أنا بالذات الكثير والكثير من الآمال. مرت بعد هذه الواقعة شهور وبدأت في الخروج من صدمتها، يجب أن أُتابع فما حدث ليس نهاية الكون، كنت وقتها لاعبًا في إنتر ميلان، وجاءت تلك المباراة أمام فريق ليتشي، كانت مباراة سهلة للغاية ومفتوحة، كنت أركض في كل اتجاه ولأول مرة أشعر بنفسي القديمة منذ نهائي باريس، كنت كالذي يتراقص بالكرة في الملعب وفي مُخيلتي أقول ها أنا قد عُدت من جديد، وفجأة.. اختفى كل شئ. لم أحتك بأي لاعب من فريق ليتشي، كنت أركض بالكرة شكل طبيعي جدًا، وبدون أي مقدمات توقفت مُخرجًا الكرة خارج الملعب وطلبت من المُدرب أن يُخرجني من هنا بأسرع وقت، كان كل شئ يسير على ما يُرام حتى قررت أربطة ركبتي أن تتمزق، قررت أن تتمزق وأنا في أفضل حالاتي منذ زمن، وكأنها أبت إلا أن تنتزع شعور البهجة الذي كان قد بدأ يتخلل قلبي شيئًا فشيئًا ليعطيني بصيص من الأمل لما هو قادم. هي لحظات قد تكون جزءًا من الثانية، لكنها قادرة على أن تُغير مجرى حياتك من الشئ إلى نقيضه، غبت عن الملاعب مدة وصلت لـ 114 يوم، ثم عُدت مرة أخرى لأُشارك كبديل في نهائي كأس إيطاليا أمام لاتسيو، كنت قد ابتعدت عن الملاعب فترة هي الأطول، ومع تعافيّ من الإصابة كنت أرسم الخطط في عقلي بأنني سأعود لآكل الأخضر واليابس، لن أترك شيئًا لغيري، يجب أن أعود لما كنت عليه وأضع حدًا لسوء الحظ هذا. ولكن مشكلتي لم تكن في سوء الحظ، أنا لم أمتلك الحظ يومًا حتى يكون سيئًا أو جيدًا، لم أتعرف عليه طوال حياتي.. نزلت كبديل في مباراة لاتسيو تلك ووقعت على الأرض وشعرت بالألم القديم قد عاد، في هذه اللحظة أصبح كل شئ مُظلم، أنا لا أرى أحد، فقط جلست على الأرض مُمسكًا برُكبتي وانهرت في البكاء، لم أتمالك دموعي.. كنت أشعر بأن كل شئ قد انتهى، كل اللاعبين بالطاقم الطبي من حولي وأنا لا أرى سوى الظلام الحالك، أبكي بحُرقة وأُحدث نفسي قائلًا لماذا يحدث هذا لي؟، أنا لا أعرف. هذه المرة الغياب كان قد طال كثيرًا، 60 مباراة حُرِم فيها إنتر ميلان مني، 522 يوم لم تطأ فيهم قدمي أرضية أي ملعب، قُرابة العام ونصف العام وأنا لا ألمس الكرة، منذ نهائي باريس في عام 1998 وأنا كلما حدث لي شيئًا أقول بأنها أسوأ لحظات حياتي، حتى يحدث لي شئ آخر فأكتشف أن ما سبقه لم يكن يُذكر، لكن هل يوجد أسوأ مما وصل إليه الحال الآن؟.. رغم هذا أجد نفسي مُضطرًا لأقول بأنها أسوأ فترة عشتها طوال حياتي، لقد كان جسدي مريضًا وكذلك ذهني ونفسي، لا يوجد بداخلي شئ واحد قادر على الحركة. الكل يتحدث عن أنني انتهيت، لا يوجد أي لاعب كرة قدم يمكنه العودة مرة أخرى بعد هذا الذي حدث، حديث الإعلام والناس على المقاهي وفي الشوارع كان ألمه بنفسي أقوى تأثيرًا من ألم الإصابة في قدمي، على الأقل ذلك الألم في قدمي سيزول، أما ما أحدثه بداخلي فلا يعلم إلا الله إذا كان سيزول أم سيقضي معي مع تبقى من حياتي. في هذه الفترة أخبرني الأطباء بأنهم لم يروا إصابة مماثلة لما حدث لي من قبل، وأنني يجب أن أعتزل كرة القدم، لكن ألم الاعتزال كان سيكون أشد من ألم الإصابة بأضعاف كثيرة، الحقيقة هي أنني لم أكن أستطيع أن أثني رُكبتي، وبالرغم من كل الظروف المُحيطة قررت ألا أستسلم وأُتابع علاجي وتدريباتي التأهيلية، كان هدفي أن أُشارك في كأس العالم 2002 ولن يمنعني شئ من تحقيق ذلك. وبالفعل انتصرت في معركتي مع جسدي وتعافيت قبل البطولة بشهور، لم أكن أُشارك مع الإنتر كثيرًا وبرغم ذلك استدعاني مدرب البرازيل، أنا أدين له بالكثير على تلك الثقة التي منحني إياها، وفي المُقابل لم أخذله ولم أخذل الملايين حول العالم ممن كانوا ينتظرون عودتي، قبل البطولة كان الجميع يتحدث عن الإصابة وعمّا إذا كانت ستتجدد فقمت بقصة شعري الغريبة والشهيرة وقتها لتُصبح هي حديث الإعلام بدلًا من الإصابة، وبالفعل كان لها دور كبير في رفع الضغط عني. حققنا البطولة وانتصرنا على ألمانيا في النهائي، وعوضت إخفاق ما حدث في 1998، وعُدت للصورة بقوة مرة أخرى بعدما كانت كل الأبواب قد أُغلقت في وجهي، لكن الحقيقة هي أنني لم أعد يومًا بنفس المستوى الذي كنت عليه، صحيح أنني فُزت بكأس العالم وانتقلت لريال مدريد ومن بعده اي سي ميلان مُحققًا رفقتهما عدة ألقاب، لكنني لم أكن أنا رغم كل شئ، لكن ما يهم أن تلك الإصابات طويلة الأمد ابتعدت عني. ولأنه لا توجد نهايات سعيدة لمعدومي الحظ أمثالي، جاءت كارثة 2008 مع ميلان، نزلت كبديل بإحدى المباريات في الدقيقة 56، ولم أستغرق سوى خمس دقائق حتى سقطت أرضًا، ليتذكر الجميع ذلك السقوط أمام لاتسيو قبل سبع سنوات، هنا كان كل شئ قد انتهى فعلًا، لا توجد عودة، انتهت مسيرتي الكروية بشكل إكلينيكي مع هذا السقوط الأخير الذي لم أقم منه ثانيةً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص حياة و مسيرة لاعبي كرة القدم # الهولندي القناص روبن فان بيرسي # نجم ارسنال السابق

قصة البطل العالمي # محمد صلاح نجم ليفربول الانكليزي

قصص و مسيرة لاعبي كرة القدم #الايفواري ديديه دروغبا # الجزء الثاني و دوره في ايقاف الحرب الاهلية